" لن يكلفنا النضال أكثر مما يكلفنا الصمت "

الثلاثاء، مارس 08، 2011

معضلات التكوين المهني

01/03/2011

مما لا شك فيه أن مسؤولي مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل قد طأطؤوا رؤوسهم وهم يصغون بإمعان لخطاب ملك البلاد بتاريخ 21 فبراير بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي خاصة عندما قال جلالته: «إننا ننتظر منكم اقتراح الحلول الناجعة، لمعضلة توفير التكوين المهني، والتعليم التقني للموارد البشرية المؤهلة لسوق العمل، ولمتطلبات الاستراتيجيات القطاعية، والأوراش الهيكلية. هدفنا الأسمى ضمان أسباب العيش الكريم لكافة المغاربة، ولاسيما الفئات المعوزة منهم»
من المؤكد إذن أن يكون ملف التكوين المهني حاضرا بشكل آني على طاولة المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليبدي فيه رأيه الاستشاري آخذا بعين الاعتبار مختلف الاختلالات التي تنخره طولا وعرضا ومستشرفا آفاقه المستقبلية لجعله في مستوى متطلبات الاستراتيجيات القطاعية كما جاء في خطاب جلالة الملك.


أول سؤال يجب طرحه والإجابة عنه بشكل واضح يتعلق بماهية مكتب التكوين المهني، هل هو مرفق عمومي يخدم المصلحة العامة أم مقاولة خاصة تضخم الأنا وتزيد من معاناة مستخدمي ومتدربي التكوين المهني؟
الجواب الحقيقي من دون شك مجسد في السياسة الحالية المنتهجة من طرف القيادة الحالية للمكتب, ممثلة في المدير العام ورؤساء المديريات المركزية والجهوية. فهم الذين يعرفون عن قرب أنه بفضل»الشرعية الإدارية المنوحة لهم أصبحوا يزنون ويخلطون مختلف مكونات التكوين المهني لإنتاج «حقائق مخدومة» تستجيب لكل ما هو مرغوب فيه ذاتيا لكنها سرعان ما تنحني ذابلة وخجولة أمام المتطلبات الموضوعية لسوق العمل والاستراتيجيات القطاعية المرافقة له.


ففي عهد المدير الحالي للمكتب, اتخذ قرار جائر تضاعفت بموجبه الزيادة في واجبات التسجيل بعشر مرات, كما أنه يتم الامتناع عن إرجاع واجب التسجيل لكل من وضع المبلغ في الحساب البنكي ثم غير رأيه وأحجم عن التسجيل وحتى الذين يرغبون في التسجيل بمعهد آخر يطلب منهم تأدية مبلغ الواجب مرة ثانية وهكذا أصبح مقعد بيداغوجي واحد يدر على خزينة المكتب أحيانا ثلاثة أو أربعة أضعاف المبلغ المحدد، ناهيك عن مداخيل ملف التسجيل الذي تدرج ثمنه من 10 دراهم إلى 20 ثم 30 ومن المحتمل أن يقفز مع بداية السنة المقبلة إلى 50 درهما علما بأن تكلفته الحقيقية لا تتعدى درهمين اثنين لا غير
- مع بداية الموسم التكويني الحالي صدر قرار أكثر تعسفا من سابقه يقضي بوضع حد لمجانية المبيت والأكل بالنسبة للمتدربين الداخليين وألزمهم بتأدية 200 درهم شهريا مقابل ذلك، علما أن من بينهم الأيتام وأبناء المحتاجين الذين لا يملكون حتى قوت يوم واحد. وقد بلغ إلى علمنا أنه بعدة داخليات عجز العديد من المتدربين عن الدفع المسبق وكأن السيد بن الشيخ لا يعرف مثلا الوضعية المزرية لأبناء عين الشعير وبني تجيت وتندراة وهلم جرا.
- النقص المهول في الميزانية المخصصة للمواد الأولية الخاصة بالتكوين الأولي، بينما التبذير المالي ينشط في «التبنتير» وإعادة تبليط أرضية الإدارات والبستنة والأكل المرافق لاجتماع المسؤولين حتى أنك تحار في وصف ما هم يفعلون، «هل هم يتناقشون أم يأكلون ويشربون» ناهيك عما يروج بشأن بعض مديري المؤسسات التكوينية الذين عمدوا إلى قتل الضمير ومد اليد إلى ذلك الكفاف من المواد الأولية لتحويله إلى نزر عسير.
- الحالة الكارثية التي يعرفها التكوين الأولي بسبب تغليب الكم على الكيف، فلقد ترتب عن الزيادة العشوائية في عدد المقاعد البيداغوجية ما لم يكن في الحسبان ولنا فيما وقع بإحدى المؤسسات التكوينية بالجهة الشرقية في بداية موسم 09/10 خير مثال، حيث تمت إضافة فوج في المحاسبة في آخر لحظة للرفع من أعداد المسجلين، وبعد مرور أزيد من أربعة أشهر قضاها المتدربون ذهابا وإيابا لا يسمعون فيها إلا عبارة «عودوا غدا، فالمكون لم يأت بعد»، انتهت المهزلة بحذف الفوج من خريطة التكوين وإرجاع واجبات التسجيل للمتدربين الذين لم يتوصلوا بها إلا بعد خوضهم اعتصاما مفتوحا وتقديمهم لتظلمات للسلطات المحلية والجهات المعنية. كما أن مؤسسة أخرى ظلت لمدة سنتين تتعثر بين الإعلان والعجز عن فتح شعبة «مصلح المجوهرات»، إلى أن اهتدى المدير الجهوي مع بداية هذه السنة إلى تنفيذ حكمة «الترك أحسن»، وفي مؤسسة أخرى ما زالت تلك الأطلال التي ابتلعت قدرا غير قليل من المال العام تبكي حظها لأنها لم تتمكن بعد من استقبال ولا متدرب بناء واحد. ومع ذلك مازالوا يجرؤون على الادعاء بأنهم قادرون على التكوين في كل المجالات من السياحة إلى الفلاحة ومن السير على الطرقات إلى الطيران وفي جميع المستويات من التكوين التأهيلي إلى الإجازة المهنية عما قريب، ومن يدري ... الماجستير المهني بعد 2016.
- تقليص المدد المخصصة للوحدات بسبب الارتباك الذي يعرفه التدبير الزمني والتكليف المتأخر للمكونين، الشيء الذي جعل استنساخ الدروس يحل محل إلقائها بالقسم، ولهذا الغرض تم السماح يفتح دكاكين النسخ داخل المؤسسات التكوينية حيث أصبح المتدربون يؤدون» ثمن أوراق الدروس والتمارين المستنسخة، ومن وراء ظهورهم أصبحت إدارة المؤسسة تتمكن من نسخ أوراقها الإدارية بالمجان بموجب العقدة المبرمة مع صاحب الدكان.
- انعدام المتابعة والمرافقة البداغوجية لعمليات التكوين حيث لا يتم احترام التكوين بالوحدات طبقا للتسلسل المنصوص عليه في الدليل البيداغوجي ويكفي تصفح معطيات مدام «ماتريس كارط» ودفاتر النصوص للتأكد من أن وحدات من الدورة الثانية تدرس قبل وحدات من الدورة الأولى ومنها ما لا يدرس إلا في ربع المدة المخصصة له.
- التأطير التربوي والبداغوجي والتكويني المنعدم للمكونين الجدد الرسميون منهم والمتعاقدون، فبمجرد ما يتم توظيفهم أو التعاقد معهم يطلب منهم الالتحاق بقاعة الدرس وفي كثير من الأحيان لتدريس مواد لم تكن في صلب تكوينهم العالي، مما يضطرهم للعمل في هذه الظروف بشعار «نعلم ونتعلم والعام طويل»
ثاني سؤال يتعلق بالوضع الاعتباري لمختلف مؤسسات التكوين المهني هل هي مرتبطة بمحيطها السوسيو- اقتصادي تتفاعل معه وتتطور بتجهيزاتها وشعبها التكوينية لتستشرف آفاقه المستقبلية, أم هي مجرد بنايات بتجهيزات متآكلة وشعب للتكوين الحافي المغلف بالخطاب الغوغائي تتزين بالصباغة وأشجار البستنة كلما قيل أن مسؤولا ما سيحل لزيارتها؟ إنني لأخشى أن يكون الواقع صادما أمام أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي إذا ما اقتربوا منها واكتشفوا أنها في معظمها أشبه بمرتع للرعي المهني فيه العشب والرعاة والغنم. فما عاد خافيا على أحد الواقع البئيس لكثير من المؤسسات التكوينية بسبب سوء التدبير والتخطيط المرتجل وضعف المردودية ، كما أن السباق عبر المدن لإقحام مكتب التكوين المهني في مشاريع التنمية البشرية المدشنة من طرف صاحب الجلالة أبان عن محدوديته وأظن أن الرسالة قد وصلت لمن يسهرون على قطاع التكوين المهني بعد خطاب جلالته الذي كان واضحا عندما تحدث عن معضلة توفير التكوين المهني للموارد البشرية المؤهلة وضمان أسباب العيش الكريم لكافة المغاربة، ولاسيما الفئات المعوزة منهم، ونتمنى بالمناسبة أن يتم إعادة النظر في القرار القاضي بتحويل إحداث معهد للنقل من مدينة وجدة إلى مدينة تاوريرت لا لشيء موضوعي، بل فقط للظهور بمظهر المعترف بإسهامات الفقيد مزيان بلفقيه كما روج لذلك، وربما طمعا في أن يدشن المعهد الجديد من طرف صاحب الجلالة خلال الزيارة المرتقبة للمدينة مسقط رأس الفقيد، ولأني عرفت الفقيد منذ سنوات وأتيحت لي فرصة الاشتغال إلى جانبه بمكتب «جمعية قدماء تلاميذ تاوريرت» وبحسب ما أعرفه عنه من استقامة ونزاهة ما أظن أنه كان سيقبل بهذا الأمر حيا كان أو ميتا رحمة الله عليه وهو الذي ظل ممتنعا عن استغلال منصبه السامي لتحويل مشاريع اقتصادية لمدينته تزلفا أو طمعا كما فعل الكثيرون.
ثالث سؤال يتعلق بالمشاكل المترتبة عن سوء تدبير الموارد البشرية التي أصبحت معقدة كقضية الشرق الأوسط ومنها الوضع الشاذ للمكونين المياومين والذين قضى بعضهم أياما حالكة بباب الإدارة العامة بعدما كانوا ضحية العجرفة الإدارية التي قررت التضحية بهم ليكونوا مثالا للقصاص من كل من سولت له نفسه الإضراب عن العمل للحصول على أبسط الحقوق من قبيل التوصل بأجرة شهرية تمكنه من شراء كبش العيد. وكانت الأمور متجهة نحو الأسوأ لولا تدخل السلطات الوصية على الأمن التي أجبرت إدارة المكتب على إيجاد حل يضمن للمعتصمين كرامتهم بدلا من افتراش رصيف الإدارة العامة لمكتب التكوين المهني. فعلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يقدم رأيه الاستشاري في مدى نجاعة  عملية التكوين إذا كان أحد عناصرها الأساسية يشتغل كمكون مياوم لم يخضع لأي تكوين تأهيلي ولا بيداغوجي ومهدد بالتخلي عنه في أي لحظة من اللحظات. ومن الإشكاليات كذلك الاستخفاف بالتأمين الصحي للمستخدمين و بمستقبلهم المهني الذي أصبح رهينة قانون أساسي يستفيد منه المقربون المستقدمون من خارج المكتب للعمل كمدراء مركزيين أو جهويين أم كمديري مؤسسات تكوينية أو كمستشارين للسيد المدير العام (وكأن المكتب عقيم لا أطر فيه) والذين يستفيدون بشكل مباشر من الترقي بسلم عن كل أربع سنوات أقدمية خارج المكتب بينما أهل الدار عليهم انتظار كفارة مديرية الموارد البشرية لتقضي بفك رقبة الترقية الداخلية المحتجزة بأدراج مكاتبها للترقي في حدود النسب الهزيلة، وإذا ما خيب السيد حلام أحلامهم فما عليهم إلا الانتظار ثم الانتظار. ويبقى التنقيط السنوي أكبر معضلات القانون الأساسي الجديد حيث العبث المتمثل في عدم احترام الآجال القانونية للتنقيط، وفي عدم احترام دليل المساطر الذي ينصص على إجراء مقابلة مع المعني بالأمر، وهي المقابلة التي لا تتم، وحتى وإن تمت في بعض الأحيان فغالبا ما تأخذ شكلا كاريكاتوريا لا غير، وفي عدم اطلاع المكونين على نقطهم السنوية وفي عدم تسليمهم قرارات ترقيهم في الرتب، ناهيك عن تحديد سقف الاستفادة من الترقي في الرتبة بالسريع في 50% من مستخدمي كل مؤسسة أو مركب تكويني وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير لأنها أفرغت التنقيط من التحفيز على العطاء المهني وحشته بثقافة الولاء والتبرك الإداري. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى التطاول بمديرية الموارد البشرية بشكل سافر على النقطة الإدارية لأحد المكونين بالمنطقة الشرقية وتحويلها من 79 إلى 49 وعندما قام المكون الذي زورت نقطته بمراسلة المدير العام عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصل في بداية شهر دجنبر، ملتمسا منه منحه نقطه الإدارية وقرارات ترقيه في الرتب برسم سنوات 2003، 2004، 2005، 2006، 2007، 2008، وأخيرا نقطة 2009 المزورة، حمد الله وشكره بعد مرور ستين يوما بالتمام والكمال لكونه لم يذهب برجليه إلى الدار البيضاء للاستفسار عن نقطه الإدارية، لأنه لو كان فعل لكان مصيره مجهولا لحد الآن كمصير رسالته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق